الاعتداء على صانع الأفلام الحائز على الأوسكار يثير جدلاً داخل الأكاديمية السينمائية

Mar 30, 2025 at 11:48 AM
Single Slide
أثارت حادثة الاعتداء الوحشي على المخرج الفلسطيني حمدان بلال، الذي فاز مؤخرًا بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، موجة من الغضب والانتقادات داخل المجتمع السينمائي العالمي. حيث تمت مطالبة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة بتوضيح موقفها بشكل أقوى وأكثر وضوحًا بعد البيان الأولي الذي وصف بالضعيف وغير كافٍ.

الأكاديمية أمام اختبار أخلاقي جديد: هل ستنتصر لحرية التعبير أم تغرق في الصمت؟

البيان الأولي والأثر السلبي

في الأيام الأولى التي أعقبت الهجوم العنيف على المخرج حمدان بلال، كانت ردود الفعل من قبل الأكاديمية خافتة وغير مباشرة. حيث اكتفت بإصدار بيان عام يدين "إيذاء الفنانين أو قمعهم بسبب أعمالهم أو آرائهم". ومع ذلك، كان هذا البيان محل انتقاد شديد من قبل العديد من الشخصيات البارزة داخل وخارج الأكاديمية، الذين رأوا فيه نوعًا من التهرب من المسؤولية الأخلاقية.من وجهة نظر متعمقة، يمكن القول إن البيان الأولي لم يكن مجرد تصريح رسمي بل كان انعكاسًا لحالة من عدم اليقين حول كيفية التعامل مع قضية تعبر عن تداخلات سياسية وثقافية معقدة. فالفنانون مثل بلال ليسوا فقط صناع سينما، بل هم أيضًا رسل للقضايا الإنسانية التي قد تكون محاطة بالجدل. ومن هنا جاءت أهمية إعادة النظر في الرد الرسمي للأكاديمية.في ظل هذه الضغوط، برزت أسئلة حول دور المؤسسات الثقافية الكبرى في الدفاع عن حرية التعبير، خاصة عندما يتعلق الأمر بفنانين يواجهون قمعًا بسبب عملهم. فهل يجب أن تكون هذه المؤسسات حيادية تمامًا أم أن عليها تحمل مسؤولية أكبر تجاه القضايا الإنسانية؟

الرد الجديد وموجة الاستياء

بعد تزايد الانتقادات، عقد مجلس إدارة الأكاديمية اجتماعًا طارئًا يوم الجمعة لإعادة صياغة موقفها. وفي بيان جديد، أعرب الرئيس التنفيذي للأكاديمية، بيل كرامر، ورئيستها، جانيت يانغ، عن اعتذارهما الشديد للسيد بلال ولجميع الفنانين الذين شعروا بعدم الدعم الكافي. وأكد البيان الجديد أن الأكاديمية تدين أي نوع من العنف ضد الفنانين في أي مكان بالعالم.هذا التغيير في الخطاب كان له أثر كبير على الجدل المستمر. فقد رحب البعض بهذا الموقف الجديد باعتباره خطوة نحو الالتزام الأخلاقي، بينما استمر آخرون في التشكيك في توقيت البيان ومدى صدقية الندم المعلن. إذ يرى بعض المراقبين أن هذا الاعتذار جاء متأخرًا جدًا، مما يعكس حالة من اللامبالاة الأولية تجاه معاناة أحد أبرز الفنانين الحائزين على الأوسكار.على مستوى أوسع، يمثل هذا التصحيح نقطة تحول محتملة في الطريقة التي تعامل بها المؤسسات الثقافية مع قضايا الحرية الفنية والتعبيرية. فالمؤسسات ليست مجرد هيئات تنظيمية بل هي منصات ذات تأثير عالمي يمكنها أن تسهم في تشكيل النقاش العام حول حقوق الإنسان والفن.

تجربة حمدان بلال بين الواقع والسياسة

بعد إطلاق سراحه من الاحتجاز الإسرائيلي الذي استمر أكثر من 20 ساعة، صرح بلال بأنه تعرض للضرب بطريقة وحشية من قبل مستوطنين إسرائيليين خلال زيارته لقريته في الضفة الغربية. وقد أكد أن الهجوم كان يستهدفه شخصيًا بسبب شهرته وعمله الفني. حيث قال إنه سمع المهاجمين ينادون باسمه ويتحدثون عن "جائزة الأوسكار"، مما يجعل من الواضح أن الهجوم لم يكن عشوائيًا بل كان مدفوعًا بأسباب سياسية وشخصية.هذه التجربة تسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين الفن والسياسة في المناطق المتنازع عليها. فالفنان ليس مجرد منتج للفن بل هو أيضًا صوت للشعب وللقضايا الاجتماعية والسياسية. وبالتالي، فإن استهدافه يعكس محاولة لقمع هذا الصوت وإسكاته. وعلى الرغم من الإصابات التي تعرض لها بلال، إلا أنه أكد على استمراره في الدفاع عن حقوق شعبه عبر عمله الفني.من جهة أخرى، يمثل فيلم "لا أرض أخرى" نموذجًا حيًا لهذه العلاقة. حيث يتناول الفيلم قضية مسافر يطا، المنطقة التي تم تصنيفها كمنطقة تدريب عسكري منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما أدى إلى تهجير السكان المحليين وتدمير منازلهم وبساتينهم. وهذا ما يجعل من الفيلم ليس مجرد عمل فني بل رسالة قوية للمجتمع الدولي حول معاناة الشعب الفلسطيني.

نجاح الفيلم رغم التحديات

على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه فيلم "لا أرض أخرى" على المستوى الدولي، بما في ذلك فوزه بجائزة الأوسكار، إلا أن الطريق كان مليئًا بالتحديات. فالفيلم، الذي يعتبر إنتاجًا مشتركًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واجه صعوبات كبيرة في العثور على موزعين أمريكيين. ومع ذلك، تم عرضه ذاتيًا في دور السينما المختلفة، مما أتاح له تحقيق إيرادات تجاوزت مليوني دولار في أمريكا الشمالية فقط.هذا النجاح يعكس قدرة الفن على كسر الحواجز والتغلب على العوائق السياسية والاقتصادية. ففيلم "لا أرض أخرى" ليس مجرد قصة عن صراع بين شعوب بل هو دعوة للتفكير في الحلول الإنسانية والعدالة الاجتماعية. كما يظهر كيف يمكن للإبداع الفني أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي والإنساني.في نهاية المطاف، تبقى تجربة حمدان بلال مصدر إلهام للعديد من الفنانين حول العالم، حيث يثبت أن الفن يمكن أن يكون قوة قوية في مواجهة القمع والاستبداد.